تأثير الضغط النفسي والعوامل الديموغرافية على استخدام الشاشات وشبكات التواصل الاجتماعي

في عالم يشهد تقدماً تكنولوجياً متسارعاً، تكتسب الشاشات وشبكات التواصل الاجتماعي أهمية متزايدة بشكلٍ مستمر. بغض النظر عن الغرض الذي نستخدمها من أجله، سواء كان للتواصل مع الأصدقاء، العائلة، أو البحث عن الأخبار الأخيرة، أو حتى كوسيلة للتسلية، فقد أصبحت الشاشات جزءًا أساسيًا وحيويًا من حياتنا اليومية. هذه الحقيقة تتجسد بشكلٍ أكبر عندما ننظر إلى الدور الذي أصبحت تلعبه في حياة العديد من الأشخاص، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من روتينهم اليومي.

مع تزايد استخدام الأجهزة الرقمية، بدأ القلق يتصاعد حول الأثر المحتمل على رفاهيتنا الشاملة. أشارت الدراسة التي تم الإشارة إليها كمرجع(1)، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تحظى بأهمية خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من التوتر المالي والعاطفي والصحي العقلي والضغط التحصيلي. ومع ذلك، أشارت الدراسة أيضا إلى أن العمر والجنس لهما تأثير على الاعتماد على الشاشات، لكن هذه العوامل بالإضافة إلى التوتر والعوامل الديموغرافية تشكل جزءاً ضئيلاً فقط من الأسباب التي تقف وراء استخدام الشاشات. لذلك، يصبح من الضروري البحث عن أسباب أخرى قد تساهم في هذه الظاهرة.

أهمية الشاشات و وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن الضغوط

وسائل التواصل الاجتماعي يمكن ان تعتبر ملجأ للأشخاص الذين يعانون من الضغوط المختلفة. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الضغط المالي، يمكن أن تقدم وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً متعددة تتعلق بالبحث عن العمل، والحصول على النصائح المالية، بالإضافة إلى توفير منصة للتواصل وتبادل الخبرات مع الأشخاص الذين يواجهون ظروفاً مشابهة. فهي توفر بيئة رقمية تسمح بالتفاعل والتواصل مع الآخرين، مما يمكن أن يساعد في التخفيف من الضغط ويعزز الشعور بالدعم الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يكون طريقة فعالة للتعامل مع التحديات الكبيرة.

توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصة للأفراد الذين يواجهون مشاكل عاطفية لمشاركة تجاربهم والحصول على الدعم من الأشخاص الآخرين، وهو ما يمكن أن يساهم في تقديم الراحة والتعاطف. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضغوط مرتبطة بالصحة العقلية، تعد هذه الوسائل مصدرًا للدعم والموارد والنصائح التي تساعد في التعامل مع هذه التحديات. وللطلاب الذين يعانون من ضغط الامتحانات، يمكن أن توفر وسائل التواصل الاجتماعي موارد تعليمية ونصائح، بالإضافة إلى مكان للراحة والاسترخاء، مما يساعد في تخفيف الضغط وتحسين الأداء الأكاديمي.

تأثير العمر والجنس على الاعتماد على الشاشات: رؤية علمية

الأبحاث العلمية الحديثة تتجه نحو دراسة مجموعة من العوامل، بما في ذلك العمر والجنس، التي قد تؤثر في مدى اعتماد الأفراد على الشاشات. يهدف هذا المقال إلى الغوص بعمق في النتائج الرئيسية للدراسة(2)، في محاولة لفهم كيفية تأثير هذه العوامل الديموغرافية على استخدام الشاشات. سيتم التطرق أيضاً إلى الدور الذي تلعبه هذه العوامل في تشكيل سلوكيات استخدام الشاشات والروابط المحتملة بينها وبين الصحة النفسية والجسدية. الغاية من هذا النقاش هو تقديم فهم أكثر شمولاً وعمقاً لهذا الموضوع الحيوي والمعقد.

الدور الذي يلعبه العمر في الاعتماد على الشاشات

في دراسة نشرت في مجلة الإدمان السلوكي(1)، تم استعراض الإدمان على ألعاب الفيديو عبر الإنترنت بين المراهقين والبالغين الشباب. النتائج أظهرت أن المراهقين يميلون أكثر نحو الإدمان على هذه الألعاب مقارنة بالبالغين. يُعزى هذا الفرق إلى دور العمر في قابلية الإدمان على الشاشات. يمكن تفسير هذه الظاهرة بأن المراهقين قد يعانون من صعوبة في التحكم في سلوكهم بالمقارنة مع البالغين، كما أن البالغين يمكن أن يكونوا أكثر قدرة على تحديد الوقت المناسب الذي يجب أن يقضوه في الألعاب. تُشير النتائج إلى الحاجة لمزيد من الأبحاث لفهم العوامل التي تزيد من قابلية الإدمان على الشاشات.

تأثير الجنس على الإدمان على الشاشات

الدراسات تشير إلى أن النساء يعانين أكثر من الإدمان والاستعمال الخاطئ للهواتف المحمولة مقارنة بالرجال. النساء عادة يستخدمن الهاتف كأداة رئيسية للتواصل مع الآخرين، حيث يرسلن الكثير من الرسائل القصيرة ويستخدمن تطبيقات المراسلة في أغلب الأوقات. أحيانا، يمكن أن يستخدمن هاتفهن كوسيلة للهروب من الشعور بالضيق، الأمر الذي قد يجعلهن عصبيات وغير مرتاحات، وقد يؤدي إلى الإنفاق الزائد..

بالمقابل، يميل الرجال إلى استخدام الهواتف المحمولة لتنفيذ المكالمات، وإرسال الرسائل النصية، والمشاركة في ألعاب الفيديو. وتدل الدراسات على أن الرجال يتجرؤون على استخدام الهواتف في ظروف يمكن أن تكون خطرة بالمقارنة مع النساء. كما أشارت إحدى الدراسات إلى أن التواصل عبر المكالمات والرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي يعد من أكثر السلوكيات التي تثير القلق فيما يتعلق بالهاتف. هذه النتائج تؤكد على ضرورة التركيز على تعزيز الوعي حول أنماط الاستخدام الآمن والصحي للهواتف المحمولة والحد من الأنشطة التي قد تعزز الاعتماد على الشاشات.

ومع ذلك، من الضروري التوضيح أن هذه العوامل تشرح فقط جزءاً صغيراً من استخدام الشاشات، مما يشير إلى أن هناك عوامل أخرى قد يكون لها دور هام، مثل صفات الشخصية، والعادات والتفضيلات الفردية، بالإضافة إلى البيئة الاجتماعية والثقافية.

ما وراء الضغط النفسي والعوامل الديموغرافية

مع أن الضغط النفسي والعوامل الديموغرافية يمكن أن يساهما في استخدام الشاشات، إلا أن نطاق تأثيرهما يظل ضيقاً في تفسير هذه الظاهرة. هذا يعني أن استخدام الشاشات هو ظاهرة معقدة تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل. مثلاً، قد تلعب خصائص الشخصية، كالانطواء والانفتاح، دورًا مركزيًا في تحديد كيفية استخدام الأفراد وتفاعلهم مع وسائل التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبيئة الاجتماعية والثقافية أن تؤثر في هذا السياق، حيث قد تشكل الأعراف والتقاليد الاجتماعية الطرق التي يستخدم فيها الأفراد الشاشات.

بصفة عامة، بالرغم من أن الضغط النفسي والعوامل الديموغرافية يمكن أن يؤثرا في استخدام الشاشات والتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي، فإن تأثيرهما يظل ضئيلاً. استخدام الشاشات هو ظاهرة مركبة تتأثر بالعديد من العوامل، بما في ذلك خصائص الشخصية والبيئة الاجتماعية والثقافية. الأفراد الانطوائيين قد يستخدمون الشاشات بطرق مغايرة عن الأفراد الاجتماعيين، بينما الثقافة والعادات الاجتماعية يمكن أن تشكل أيضاً كيفية استخدام الشاشات. فهم هذه العوامل وكيفية تفاعلها يمكن أن يسهم في وضع استراتيجيات أكثر فعالية للتحكم في استخدام الشاشات وتعزيز الرفاهية الرقمية.

المراجع

(1) https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6465981/

https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyt.2016.00175/full

en_USEnglish