يعد إدمان الشاشات مشكلة كبيرة ومتنامية في المجتمع الحديث. والأطفال، على وجه الخصوص، هم الأكثر تضررًا من هذه الآفة، حيث أنهم ينشأون في عصر تهيمن عليه ثقافة الشاشات. فالشاشات موجودة في كل مكان: في المدرسة حيث تُستخدم كأدوات للتعلم، وفي المنزل حيث تُستخدم في كثير من الأحيان للترفيه، وحتى في وسائل النقل العام حيث تُستخدم لتمضية الوقت.
هذا الانتشار الواسع للشاشات يعرض الأطفال لمجموعة لا حصر لها من المحتوى. فلديهم إمكانية الوصول إلى عدد لا يحصى من ألعاب الفيديو، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومواقع البث وغيرها الكثير. ومع ذلك، فإن هذه الوفرة المفرطة في التكنولوجيا، رغم أنها توفر العديد من الفرص للتعلم والترفيه، إلا أنها لا تخلو من العواقب.
الاستخدام المفرط وغير المنضبط للشاشات يمكن أن يتحول بسرعة إلى إدمان. يمكن أن يصبح الأطفال مدمنين على الشاشات، حيث يقضون ساعات طويلة أمام شاشاتهم، على حساب أنشطتهم البدنية ودراستهم وتفاعلاتهم الاجتماعية.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا الإدمان على الشاشات يمكن أن يكون له آثار ضارة على صحتهم العقلية والبدنية. فقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات في النوم، ومشاكل في النظر، وانخفاض النشاط البدني، ومشاكل في التركيز، وحتى اضطرابات في المزاج. وعلاوة على ذلك، فإن التعرض المستمر لمحتوى غير لائق في بعض الأحيان يمكن أن يؤثر على سلوكهم ونموهم العاطفي.
باختصار، من الضروري الانتباه إلى هذه المشكلة ووضع تدابير لتنظيم استخدام الأطفال للشاشات، من أجل منع الإدمان وحماية صحتهم ورفاهيتهم.
إدمان الوالدين :
تلعب العوامل الأسرية دورًا حاسمًا في تطور هذا الإدمان. إحدى الدراسات (https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC9566204/) دراسة متعمقة للعلاقة بين إدمان الوالدين على الشاشة، وإدمان الأطفال على الشاشة، وقلق الوالدين والعلاقة بين الوالدين والطفل. وكشفت الدراسة أن إدمان الوالدين على الشاشات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإدمان أطفالهم على الشاشات. وبعبارة أخرى، فإن الأطفال الذين يدمن آباؤهم على الشاشات هم أكثر عرضة للإصابة بنفس الإدمان.
كشفت الدراسة أن قلق الوالدين يلعب دورًا مهمًا في مشكلة الاستخدام المفرط للشاشات. في الواقع، لوحظ أن الآباء القلقين هم أكثر عرضة لاستخدام الشاشات للترفيه عن أنفسهم أو لإلهاء أنفسهم عن ضغوطهم وقلقهم. إنها ملاذ سهل وفوري ومتاح لهم بسهولة.
ومع ذلك، يمكن أن يتطور هذا الاستخدام المتزايد للشاشات بسرعة إلى إدمان. يمكن أن تؤدي الحاجة المستمرة للتسلية أو الإلهاء، إلى جانب سهولة الوصول إلى الشاشات، إلى إدمان الشاشات. يمكن أن يتجلى هذا الإدمان في الحاجة النهمة لقضاء الوقت أمام الشاشة، وعدم القدرة على تقليل وقت استخدام الشاشات رغم المحاولات، والانشغال المفرط بوقت الشاشة.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن إدمان الشاشات يمكن أن ينتقل إلى الأطفال. فمن خلال مراقبة سلوك والديهم، يمكن للأطفال بسهولة تبني نفس العادات. يمكن أن يبدأوا في استخدام الشاشات بنفس الطريقة، للترفيه أو إلهاء أنفسهم، مما قد يؤدي أيضاً إلى الإدمان.
ومن ثم يخلق هذا حلقة مفرغة حيث يؤدي إدمان الآباء والأمهات على الشاشات إلى إدمان أطفالهم على الشاشات. ويمكن أن تستمر هذه الحلقة من جيل إلى جيل، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة إدمان الشاشات. لهذا السبب من الضروري معالجة قلق الوالدين في مكافحة إدمان الشاشات.
العلاقة بين الوالدين والطفل هي عامل رئيسي آخر في تطور إدمان الأطفال على الشاشات. أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين تربطهم علاقة صحية وإيجابية مع والديهم هم أقل عرضة للإصابة بإدمان الشاشات. وهذا يشير إلى أن الآباء والأمهات يلعبون دورًا حاسمًا ليس فقط كقدوة يحتذى بها، ولكن أيضًا كدعم عاطفي لأطفالهم.
كيف يمكن للآباء تقليل اعتماد أطفالهم على الشاشات؟
لمنع إدمان الأطفال على الوسائط التي تعتمد على الشاشات، يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة في الاستخدام المناسب لهذه الوسائط. يجب أن يوضحوا لأطفالهم كيفية استخدام الشاشات بشكل مسؤول، وذلك من خلال الحد من الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات وتشجيعهم على ممارسة أنشطة أخرى مثل القراءة أو الرياضة أو ألعاب الطاولة.
يحتاج الآباء أيضًا إلى التأكد من أن أطفالهم يتمتعون بصحة نفسية جيدة. فهم بحاجة إلى التحكم في قلقهم وتجنب اللجوء إلى الشاشات كوسيلة للهروب. ويمكنهم طلب المساعدة المهنية إذا لزم الأمر، أو ممارسة تقنيات التحكم في التوتر مثل التأمل أو اليوغا أو ممارسة الرياضة البدنية.
وأخيراً، يجب أن يكون الآباء شركاء فاعلين مع أطفالهم. يجب أن يستثمروا الوقت والجهد في بناء علاقة صحية وإيجابية مع أطفالهم. وهذا يعني قضاء وقت جيد معهم والاستماع إليهم ودعمهم في أنشطتهم واهتماماتهم. من خلال إقامة علاقة قوية مع أطفالهم، يمكن للآباء والأمهات مساعدتهم على مقاومة إغراء الشاشات وتطوير عادات صحية.
في الختام، يمثل إدمان الأطفال على الشاشات تحديًا كبيرًا في عصر ثقافة الشاشات. ومع ذلك، مع اتباع النهج الصحيح، يمكن للآباء والأمهات أن يلعبوا دورًا حاسمًا في مساعدة أطفالهم على التعامل مع هذا العالم الرقمي وتطوير علاقة صحية مع الشاشات.
المرجع :