الضغط النفسي و شبكات التواصل الاجتماعي : رابط معقد

مع تطور العصر الرقمي، أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً في حياتنا، حيث أعادت تشكيل طرق التواصل وتبادل المعلومات والتفاعل الاجتماعي. و رغم الفوائد الكثيرة التي تقدمها، فإن الاعتماد الكبير عليها قد يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي و بذلك تصبح مصدراً للتوتر والقلق. ستدرس هذه المقالة العلاقة المتداخلة بين شبكات التواصل الاجتماعي والضغط النفسي، وتأثير هذه العوامل على الصحة النفسية والعامة.

شبكات التواصل الاجتماعي في كل مكان

فيسبوك، إنستجرام، تويتر، سناب شات – هذه الأسماء أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. تقدم لنا هذه المنصات الرقمية فرصة للبقاء على تواصل مستمر مع أصدقائنا وعائلاتنا، لمشاركة أفكارنا وتجاربنا الشخصية، ولتعلم واكتشاف مواضيع ومعلومات جديدة في مجالات متنوعة. و رغم كل هذه الفوائد، فإن الاتصال الدائم والمستمر عبر هذه المنصات قد يكون له تأثير سلبي على صحتنا العقلية ورفاهيتنا. فالضغط النفسي الناجم عن الرغبة في المشاركة والبقاء على اطلاع دائم قد يتسبب في مشاكل صحية ذهنية.

الرابط بين شبكات التواصل الاجتماعي والضغط النفسي

تشير العديد من الدراسات إلى أن الاستخدام المكثف لشبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يسبب زيادة في الضغط النفسي. يعود السبب وراء هذا إلى عدة عوامل. أولاً، يمكن أن تثير شعوراً بالحاجة للبقاء “متصلاً” باستمرار والاستجابة السريعة للرسائل. ثانياً، يمكن أن تشجع على المقارنات السلبية مع الآخرين، مما يمكن أن يثير الشعور بالنقص أو الغيرة. وأخيراً، قد تكون مصدراً للنزاعات والتحرش.

1- الضغط الناجم عن الحاجة للاتصال الدائم :

في عالمنا الرقمي الحديث، باتت شبكات التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مركزياً في حياتنا اليومية. الاتصال الدائم الذي تتيحه هذه الشبكات قد يزيد من الضغط النفسي، حيث نشعر بالحاجة للبقاء متواصلين والاستجابة بسرعة للرسائل والتحديثات. هذا الشعور بالضغط قد يثير القلق والتوتر. وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي الحاجة الملحة للرد السريع إلى تشتيت الانتباه والتأثير السلبي على قدرتنا على التركيز على المهام الأخرى، سواء كانت مرتبطة بالعمل أو الدراسة أو حتى الحياة الشخصية.

2- المقارنة الاجتماعية :

تعج شبكات التواصل الاجتماعي بصور تعرض حياة مثالية، رحلات إلى وجهات ساحرة وإنجازات مهنية رائعة. هذه الرؤية المثالية للحياة التي يطلع عليها المستخدمون قد تدفعهم إلى المقارنة السلبية بين حياتهم وحياة الآخرين، مما يمكن أن يثير الشعور بالنقص والضغط النفسي. من الأهمية بمكان أن نتذكر أن ما يتم مشاركته على هذه الشبكات غالبًا ما يعكس الجوانب الإيجابية فقط من حياة الأشخاص، وليس بالضرورة أن تكون هذه الصور هي الصورة الكاملة لواقع حياتهم. لذا، يجب أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار عند استخدام هذه الشبكات وعدم السماح لها بأن تسبب ضغطًا نفسيًا.

3- النزاعات والتحرش على الإنترنت :

للأسف، تتحول شبكات التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان إلى منبر للخلافات والتحرش الإلكتروني. فالمناقشات التي تندلع على الإنترنت قد تتصاعد بسرعة، وتثير الكثير من التوتر والضغط النفسي. إلى جانب ذلك، قد يكون التحرش الإلكتروني، الذي يتضمن استخدام الإنترنت أو الأجهزة الرقمية لمضايقة شخص أو الإساءة إليه بطرق مزعجة أو مهينة، ذا تأثير سلبي كبير على صحة الشخص العقلية. من الضروري تذكر أن هذه التصرفات الضارة والسلبية غير مقبولة، سواء حدثت في الحياة الواقعية أو عبر الشبكات الاجتماعية.

الإنترنت و الخوف من تفويت الأحداث

تتناول الدراسة المذكورة في المرجع الطرق التي يمكن أن يؤثر فيها “الخوف من تفويت الأحداث” على استخدام الإنترنت بشكل غير صحيح. الباحثون اكتشفوا أن الأفراد الذين يعانون من أعراض نفسية سلبية، مثل الاكتئاب والقلق الاجتماعي، قد يعتمدون على الإنترنت كملاذ لهم. هذه الأعراض قد تقود إلى الاعتماد المفرط على الإنترنت كوسيلة للهروب من التوترات اليومية. بالإضافة إلى ذلك، عندما يشعر هؤلاء الأفراد بخوف عالٍ، يصبحون أكثر عرضة لتطوير استخدام خاطئ للإنترنت. هذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأعراض النفسية السلبية ويزيد من التحديات في التعامل مع الحياة اليومية.

تقوم الدراسة بالتأكيد على أن الخوف من تفويت شيء واستخدام الإنترنت كوسيلة للهروب من الصعوبات الحقيقية في الحياة، يمكن أن يكونان عاملين مساهمين في تعزيز تأثير الأعراض النفسية السلبية على الاستخدام الغير مناسب للإنترنت. يعني هذا أن الأفراد الذين يعانون من أعراض نفسية سلبية، مثل الاكتئاب والقلق الاجتماعي، قد يعتمدون على الإنترنت كملاذ، وخاصة عندما يشعرون بخوف من فقدان الأحداث. هذا الاعتماد المفرط على الإنترنت يمكن أن يؤدي بدوره إلى استخدام الإنترنت بطرق غير صحية.

أظهرت الأبحاث أيضًا أن الجانب الاجتماعي لاستخدام الإنترنت له دور بارز. فالأشخاص الذين يشعرون بالعزلة أو يجدون صعوبة في التفاعل الاجتماعي في الحياة اليومية، يميلون إلى الاعتماد على الإنترنت كملاذ يساعدهم على التواصل مع الآخرين بشكل أسهل. يمكن للإنترنت أن يكون وسيلة لهم للتغلب على العزلة وبناء العلاقات، مما يجعل له دورا أساسيا في تحديد كيفية التعامل مع الأعراض النفسية والخوف من فقدان الأحداث.

توصي الدراسة بأن الإجراءات التي تستهدف مساعدة الأشخاص الذين يعانون من استخدام الإنترنت بطرق غير صحية يجب أن تضع في اعتبارها هذه العوامل. فمن الممكن، على سبيل المثال، أن تتضمن هذه البرامج تقديم الدعم للأفراد لتطوير مهاراتهم الاجتماعية في الحياة الواقعية، أو مساعدتهم على تحديد وتطبيق استراتيجيات فعالة للتعامل مع خوفهم من فقدان الأحداث. هكذا يمكن أن يتم التعامل مع القضايا النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى استخدام الإنترنت بطرق خاطئة.

إدارة الضغط النفسي المرتبط بشبكات التواصل الاجتماعي

من الأمور الهامة التي يجب القيام بها هو البحث عن طرق للتعامل مع الضغط النفسي الناجم عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. هذا يمكن أن يشمل عدة استراتيجيات مثل تحديد الوقت الذي تقضيه على هذه المنصات وتحديد حدود لوقتك الشخصي على الإنترنت. من الهام أيضاً أن نتذكر أن الصور المثالية التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي قد لا تعبر دائماً عن الواقع الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك، في حالة تعرضك للتحرش عبر الإنترنت، من الضروري الإبلاغ عن الحادث للجهات المعنية والبحث عن الدعم اللازم، سواء كان نفسي أو قانوني.

من المهم التوضيح أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست بالتأكيد سلبية بطبيعتها. يمكن استغلالها بشكل مفيد للبقاء على تواصل مع الأصدقاء والعائلة، ومشاركة الأوقات السعيدة، وكذلك التعلم ورفع الوعي حول مجموعة من القضايا الهامة. ولكن، يتمثل التحدي في القدرة على استخدامها بشكل متزن وواعٍ، حيث يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين من الوقت الذي يقضونه على هذه المنصات، وأن يكونوا على علم بالتأثيرات السلبية المحتملة مثل الضغط النفسي أو الإدمان. وبالتالي، يصبح تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من الحفاظ على الصحة النفسية.

وسائل التواصل الاجتماعي توفر العديد من الفوائد، مثل البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة ومشاركة الأحداث الهامة. ومع ذلك، يمكن أيضًا لهذه المنصات أن تسبب زيادة في الضغط النفسي. فمن الأهمية بمكان فهم العلاقة المعقدة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة العقلية. من الضروري اتخاذ خطوات لحماية سلامتنا العقلية، مثل تحديد الوقت الذي نقضيه على هذه المنصات. فالهدف الأساسي من استعمالها هو تعزيز التواصل والاتصال، وليس إحداث الضغط النفسي.

المراجع

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6465981/

https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S235285321730007X

أضف تعليق

arArabic